تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : تجارة البيانات الشخصية..  اقتصاد خفي يزدهر على حساب الخصوصية
source icon

سبوت

.

تجارة البيانات الشخصية..  اقتصاد خفي يزدهر على حساب الخصوصية

كتب:صفاء محمود

في السنوات الأخيرة، تحوّل الهاتف المحمول إلى أداة بيع أساسية داخل سوق العقارات، فلم يعد التواصل مع العميل يعتمد فقط على الإعلانات أو المعارض، بل امتد ليشمل بيانات دقيقة عنه، ومع هذا التحول، ظهرت ظاهرة شراء وتداول قواعد بيانات العملاء كوسيلة مختصرة للوصول إلى المشترين المحتملين، دون معرفة كثير منهم بكيفية الحصول على أرقامهم أو تفاصيلهم الشخصية.

وبمرور الوقت، أصبحت ظاهرة تسريب وبيع البيانات الشخصية في مصر لافتة للنظر، بعدما تحولت خلال السنوات الأخيرة من مجرد ممارسات فردية إلى سوق موازٍ منظم، يضم سلاسل توريد وشبكات سمسرة وتجارًا يعملون في الخفاء. وفي ظل غياب آليات رقابية قوية، باتت بيانات المواطنين تُعامل كسلعة رقمية عالية القيمة، تُباع وتُشترى وتنتقل بين الشركات كأنها ملكية عامة لا صاحب لها.

سوق العقارات في قلب الظاهرة
يقول حمزة محمد، مندوب مبيعات بإحدى شركات التسويق العقاري بمدينة السادس من أكتوبر، إن شراء قواعد البيانات «الداتا» أصبح أمرًا شائعًا داخل السوق العقاري، خاصة مع اشتداد المنافسة بين الشركات على جذب العملاء، ويوضح أن بعض الشركات تلجأ إلى شراء أرقام وهواتف وبيانات من موظفين داخل أجهزة الإسكان بالمدن الجديدة.

ويشرح أن أي عقد إيجار أو تمليك لشقة سكنية يتم من خلاله تسجيل بيانات تشمل رقم الهاتف والاسم والعنوان والمساحة، سواء كانت الوحدة شقة أو قطعة أرض، ويتم حفظ هذه البيانات إلكترونيًا. ولكل حي داخل أي مدينة سكنية قاعدة بيانات تضم أرقام السكان أو الملاك القاطنين به. ويؤكد أن صاحب شركة التسويق العقاري يمكنه الحصول على هذه البيانات من جهات الإسكان مقابل مبلغ يقارب سبعة آلاف جنيه للداتا القديمة، بينما ترتفع قيمة الداتا الحديثة إلى نحو خمسة عشر ألف جنيه، وتزيد وفقًا لأهمية الأرقام.

ويضيف أن مندوب المبيعات، من خلال هذه البيانات، يكون على علم بمعاملات صاحب الرقم، ما يساعده على تحديد الأرقام المميزة، ومعرفة طبيعة العملاء، سواء كانوا شخصيات عامة أو مؤثرة، واستنتاج احتمالات استجابتهم لعمليات البيع أو الشراء، كما يشير إلى أنه في حال كان الرقم مميزًا ولا يناسب عروض شركته، يمكن بيعه لموظف في شركة أخرى مقابل نصف العمولة المتوقعة، بما يحقق ربحًا مضمونًا في جميع الحالات.

البيانات كـ «ذهب رقمي»
من جانبه، يؤكد الدكتور عز الدين حسانين، الخبير الاقتصادي والمصرفي وأستاذ التمويل والاستثمار، أن بيانات المواطنين لم تعد مجرد معلومات تعريفية، بل تحولت إلى سلعة رأسمالية تدخل في صميم العمليات الإنتاجية والتسويقية. ويشير إلى أن السوق المصري يشهد تحولًا هيكليًا في نمط تداول البيانات؛ فبعد أن كانت تُسرّب عبر أفراد داخل المؤسسات، أصبحت اليوم تجارة قائمة بذاتها تشكّل اقتصادًا غير رسمي يصعب ضبطه قانونيًا.

ويضيف أن شركات العقارات والخدمات المالية تأتي في مقدمة المستفيدين من هذه التجارة، تليها شركات تسويق الأجهزة المنزلية وفلاتر المياه والجمعيات الخيرية، إضافة إلى بعض المستشفيات التي تعتمد على التبرعات. ويرجع ذلك إلى أن البيانات المسربة تقلل تكلفة الوصول إلى العميل بشكل كبير مقارنة بالإعلانات الرسمية، التي تجاوز حجم سوقها في مصر بنهاية عام 2024 نحو ملياري دولار سنويًا.

ومع لجوء الشركات إلى شراء قوائم جاهزة بأسعار زهيدة، تتحول ميزانيات التسويق من القنوات الرسمية الخاضعة للضرائب إلى السوق السوداء، ما يحرم الدولة من مليارات الجنيهات كضرائب مهدرة، ويمنح الشركات المخالفة ميزة تنافسية غير عادلة تقوم على اختراق الخصوصية بدلًا من جودة المنتج.

ويرى د. حسانين أن هذا الوضع لا يهدد المواطن فقط بانكشاف بياناته، بل يقوض ثقة الجمهور في منظومة الاقتصاد الرقمي، ويؤثر سلبًا على الشمول المالي والاستثمارات الموجهة لقطاع التكنولوجيا. ويشير إلى أن «الداتا المسربة» تتيح خفض تكلفة الاستحواذ على العميل إلى أدنى مستوياتها، مقابل اتساع فجوة الخسائر الاقتصادية التي تبدأ بالفرد المعرض للنصب الإلكتروني واختراق حساباته ومدخراته، وتمتد إلى تآكل ثقة المواطنين في الخدمات الرقمية الحكومية والمصرفية، بما يعرقل استراتيجية الشمول المالي ويؤثر في جاذبية الاستثمار الأجنبي بقطاع تكنولوجيا المعلومات.

نصوص قوية وتطبيق ضعيف
في السياق ذاته، توضح الدكتورة يسرا شعبان، أستاذ القانون المدني بجامعة عين شمس، أن قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 يمثل الإطار التشريعي الأساسي لحماية الخصوصية في مصر، إذ يحظر جمع أو تداول أو معالجة بيانات المواطنين دون موافقتهم الصريحة، ويمنحهم حقوق الاطلاع والتعديل والحذف.

وتشير إلى أن هذا القانون يتكامل مع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018، إلا أن التطبيق العملي لا يزال ضعيفًا، ما يسمح باستمرار تسريب البيانات دون رادع فعلي، وتوضح أن تسريب موظف في شركة اتصالات أو بنك أو معرض سيارات لبيانات العملاء وبيعها يُعد إفشاءً لأسرار مهنية أو تجارية، ويمكن أن يشكل جريمة إلكترونية إذا تم عبر منصات رقمية، ويتحمل الموظف في هذه الحالة المسئولية الجنائية والمدنية، كما تتحمل الشركة المسئولية إذا ثبت تقصيرها في حماية البيانات أو غياب سياسات رقابية صارمة.

وعند مقارنة الوضع المصري باللائحة الأوروبية لحماية البيانات (GDPR)، ترى د. يسرا أن مصر تمتلك أساسًا تشريعيًا جيدًا لكنه غير مكتمل، إذ تفرض المنظومة الأوروبية رقابة صارمة وغرامات ضخمة تصل إلى أربعة في المائة من إيرادات الشركات، بينما لا تزال الغرامات في مصر أقل بكثير من الأرباح الناتجة عن تجارة البيانات، ما يشجع المخالفين على الاستمرار.

وتلفت إلى أن البيانات غير الشخصية، مثل بيانات الشركات والمعلومات التجارية، تخضع لضوابط أقل صرامة، ما يفتح المجال أمام توسع السوق غير الرسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل ضعف آليات التنفيذ، حيث تعمل هذه السوق بسهولة من خلال حسابات مجهولة ومنصات رقمية لا تخضع للرقابة الفعلية.

توصيات لضبط السوق
وترى د. يسرا شعبان أن مواجهة الظاهرة تتطلب فرض عقوبات اقتصادية رادعة تربط الغرامات بحجم مبيعات الشركات أو صافي أرباحها، وتفعيل المسؤولية التضامنية على الشركات الكبرى تجاه ممارسات شركات التسويق المتعاقدة معها، إضافة إلى إنشاء منصات شرعية لتبادل البيانات تقوم على موافقة المواطن، فيما يعرف بالتسويق بالإذن.

كما توصي بتحديد مسئوليات واضحة للشركات والموظفين في جمع ومعالجة وتداول البيانات، وتوسيع نطاق القوانين ليشمل الأسواق الموازية والمنصات الرقمية، مع إصدار تشريع أكثر تطورًا على غرار اللائحة الأوروبية يوفر حماية شاملة وآليات رقابية قوية.

وتختتم بأن تجارة البيانات في مصر لم تعد ظاهرة عابرة، بل أصبحت اقتصادًا خفيًا يحقق أرباحًا طائلة على حساب أمن المواطن وموارد الدولة، ومع وجود تشريعات مهمة، يظل غياب التنفيذ الفعلي هو العامل الأبرز في تمدد هذا السوق، ما يستدعي ردعًا اقتصاديًا حقيقيًا ورقابة صارمة وبيئة رقمية تضمن للمواطن أن بياناته ملكه وليست سلعة متداولة.


 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية